القرآن الكريم المعجزة الكبرى
القرآن الكريم المعجزة الكبرى
لكل نبي مرسل بدعوة جديدة لا بد له أن يقدم إلى جانب منهجه الجديد الذي يطالب الناس بتطبيقه معجزته الدالة على أن هذا المنهج هو من الخالق المدبر أي أنه منهج إلهي حكيم.
وعادةً لا بد أن تكون المعجزة هذه نادرة الحدوث ومتميزة بشكل معين تشد القلوب لها وتفرض نفسها علي ذهن الإنسان ليدخل الإنسان بالتالي في إطار الطاعة التامة وإنها تجري على يد النبي المرسل كرامةً له من الله تعالى ليصدق الناس بأنه رسول بالفعل وإن منهجه هو منهج رباني قويم فيأتمر الناس بأوامر الله ويطيعونه ويطيعون الرسول أيضا. والأنبياء (عليهم السلام) عموماً جاءوا بالمعاجز الدالة على نبوتهم وكانت المعاجز النبوية تتناسب مع مستوى الناس أولاً وتتناسب مع مستوى الحاجة لها ثانيا وتكون مناسبة للظرف السائد وهذه حكمة الله تبارك وتعالى ففي زمن موسى كان يسود السحر بأعتى أشكاله فجاءت عصا موسى على مستوى هذه الظاهرة وإذا بها تلقف ما يأفكون وأمام أعين الناس أول من يؤمن بإله موسى وهارون هم السحرة الذين سحروا أعين الناس وعارضوا موسى ورسالته لا بل إن الطاغية فرعون كان يحتمي بهم فإنهم أدركوا بعمق أن قضية العصا ليست من شؤون السحر. فقد قال سبحانه وتعالى:
(... قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى، قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، فأوجس في نفسه خيفة موسى، قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى، وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى، فأُلقى السحرة سجداً قالوا آمنا برب هارون وموسى) . [سورة طه: الآيات 65-70]
أما النبي عيسى ابن مريم (عليه السلام) فكان الأمر السائد في زمانه الطب فمنح الله تبارك وتعالى قدرةً فائقة للنبي عيسي في إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى كما في الآية الكريمة:
(أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله. . ). [سورة آل عمران: الآية 49].
وهكذا نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله) جاء بالقرآن الكريم معجزته الخالدة ليكون القرآن هو المنهج الواضح للحياة وهذه المعجزة مناسبة للتطور البلاغي واللغوي لدى العرب آنذاك والمعروف ان العرب كانوا يتأثرون كثيراً بالأدب شعراً ونثراً حتى برز الشعراء الكبار في الجاهلية بقصائدهم الخالدة لفظاً ومعنى مما دفعهم ليكتبوا بعض القصائد الرائعة والمتفوقة بماء الذهب وعلقوها بالكعبة ـ كما هو معروف ـ.
فجاء القرآن الكريم بكلام لا هو شعر ولا هو نثر بل هو قرآن حكيم لا نستطيع أن نقول عنه شيئاً آخر. وهو معجزة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) هذه المعجزة التي امتازت عن غيرها بأنها دائمة على مرّ العصور والأزمان وغير منقطعة بموت النبي كما في المعاجز الأخرى السابقة للأنبياء السابقين فقد كانت مؤقتة ضمن ظروف زمانية ومكانية محدودة لأن رسالتهم كانت محدودة إلى زمن معيّن، بينما القرآن الحكيم هو معجزة الله في كل زمان وكل مكان فهو المعجزة الخالدة التي أثبتت وأكدت معاجز الأنبياء من قبل وتحدّت الفنون والعلوم على مرّ الزمن ما دام الله سبحانه أراد للرسالة الدوام إلى قيام الساعة منهجاً دائماً للبشر.
والقرآن الكريم هذا قد احتوى على قصص الأولين من الأمم السالفة وفيه تبيان لقوانين الحياة وسنن الله وتحديد مصير الإنسان والمجتمع سلباً أو إيجاباً في الدنيا والآخرة ضمن ضوابط معينة وأشار إلى حقائق علمية اكتشف العلم الحديث بعضها بينما لا يزال بعضها لغزاً محيّراً للألباب إلى الوقت الحالي ويبدو أن بعضها سيبقى سراً من الأسرار الدائمة.
فالقرآن رسالة ما بعدها رسالة وإنّه آخر معجزة يبعثها الله تبارك وتعالى للبشرية فالقرآن آخر صورة إعجازية يأتي بها الوحي وإن الإسلام ختم تاريخ الرسل وبدأ بعصره الخالد.
والقرآن الحكيم قد أحاط الإنسان والمجتمع والطبيعة والغيب إحاطة تامة وأفرز البرنامج المتكامل للحياة روحياً ومادياً، معنوياً وطبيعياً. . فحفظ الإنسان من الضياع والمجتمع من الانحراف والغيب من النكران. . وكلما يمر الزمان تتجلى عظمة القرآن أكثر لتقدم العلم بشتى صنوفه وتطور التكنولوجيا كل هذا التقدم بات يخدم القرآن خدمة جليلة وبالفعل يقف القرآن العظيم منذ أربعة عشر قرناً وقفة الشموخ والانتصار ليثبت للعالم بأنه صوت الله للبشرية يصلح لكل ظروف البشر وبأي مستوىً كانوا علمياً وثقافياً وفكرياً. . فهو الدستور الإلهي الذي يضمن بتطبيقه سعادة البشر نفسياً واجتماعياً حيث بينت أحكامه أسس العلاقة بين العبد وربه الجليل وكذلك العلاقة بين الإنسان والإنسان والعلاقة بين الإنسان والمجتمع ضمن الضوابط المشروعة بعيداً عن التمييز الطبقي والعشائري بل الشريعة الإسلامية ذوّبت كل الحواجز المصطنعة بين البشر وجعلتهم متساوين أمام القانون كأسنان المشط (الناس سواسية كأسنان المشط) كما في الحديث النبوي، وفي ظل القرآن الكريم تحققت الحرية للإنسان والمجتمع في اختيار عقيدته وطريقة حياته: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) فقد أثار القرآن دفائن العقول والأفكار ليستنير الإنسان بهدى عقله وطاقاته الذهنية في حرية تامة ليختار الطريق الأصلح له.